رسالة نارية للاحزاب الثورية
ربما ما يجمع ثوراتنا العربية الآن ما تعانيه من النيران المنصبة عليها من جانب بقايا أنظمة وحشية ترفض السقوط .
قامت الثورة بشعاراتها الأولى (التشغيل أستحقاق– يا عصابة السراق) ثم تطورات هذه الشعارات إلى (الشعب يريد إسقاط النظام) ثم إلى (الشعب يريد محاكمة النظام)
حينما نرى أن نسبة البطالة بعد الثورة كما هي، ونرى أن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للتونسي العادي الذي يسير عابسًا بائسًا في شوارع العاصمة أو حتى في قرية نائية يكلم نفسه متسائلاً عن كيفية توفير الخبز لأولاده ، ونرى تلك السيدات الفقيرات اللاتي لا يملكن من أمرهن سوى الانتظار في الطابور ليأخذن في نهاية الأمر بعد صخب ولغط وضرب وإهانة اعانة ب 70 دينارا شهريا أو أقل أو أكثر بقليل، نراهن كما هن واقفات في ذات الطابور، متعرضات لذات الإهانة، لا يفهمن ولا تكاد تعرفن معنى الثورة أصلاً فإنني أفهم أن الثورة لم تقم!
حينما أرى أن الأطباء مضربون عن العمل بسبب تدني رواتبهم، والمستشفيات الحكومية لا تزال كما هي بل أسوأ من ذي قبل في بعضها، والمعلمون مضربون، بل أساتذة الجامعات مضربون فإنني أفهم أن الثورة لم تقم.
لقد أنستنا مشاحناتنا السياسية، وانغلاقنا على أنفسنا أن هناك إخوة وأقارب وأحباب لنا في هذا البلد لا يستحقون هذه المعاناة وهذا التجاهل، لماذا يسكت التونسيون على كل هذا، هل تحسبون أن الفقراء سعداء بعد الثورة؟ هل تدركون أن مفهوم الثورة بالنسبة لهؤلاء صار مجرد ألفاظ وأحرف لا قيمة لها، كأنها وخز إبرة في جسد مخدّر لا يشعر به؟!
هل هذا مقصود؟ أن يشعر الفقراء و ممن يقتربون من الفقر أن الثورة لم تقدم لهم أي جديد، لا في الوضع الاقتصادي والغذائي، ولا في الوضع الاجتماعي والضماني، ولا حتى في حرية الإنسان وكرامته التي يمكن أن تكبّل من جديد بقانون طوارئ أُضيف إليه بنود جديدة.
لماذا كل هذه المشاحنات السياسية والناس أصلاً لا تشعر بأن ثمة ثورة قامت؟ إنهم ينظرون لهؤلاء الساسة على أنهم مجموعة من المتحمسين الذين يتناحرون في الهواء الطلق دونما طائل من هذا التناحر.. هل أصبح المواطن الساكت الذي يكلم نفسه أكثر عمقًا وفهمًا للواقع من هؤلاء المتناحرين على السراب؟!
إن أي معادلة أو استحقاق سياسي لا يأخذ في اعتباره تقديم حلول فورية للفقراء لهو عبث وإضاعة للوقت والمال والجهد، وهؤلاء كمن يتشاجرون ويقسمون الميراث أمام محتضر لا يزال ينظر إليهم!
قد يعترض القارئ ويقول: إننا في بداية الثورة فكيف تطلب من هؤلاء الساسة المخلصون أن يحققوا أحلام ملايين من الفقراء في أشهر قليلة؟ فهذا قطعًا سؤال ظاهره الجدّة، لكن هؤلاء الذين يتعللون بهذه الإجابات التي يحسبونها نموذجية لا يرون الواقع إلا برؤيتهم وخريطتهم الإدراكية الضيقة، فتلك الأشهر السبعة كانت كفيلة، لو كنا في ثورة حقيقية، بظهور مشاريع عملاقة هدفها القضاء على الفقر والبطالة، أو حتى تحركات أقل من المشاريع العملاقة نرى من خلالها بوادر جادة لتحقيق المطالب الاجتماعية للثورة، لكن يبدو أن المطالب الاجتماعية للثورة قد لحقت بالمطالب السياسية التي لا نزال نراها سرابًا وخيالاً ووميضًا بعيدًا!
أريد من أي عاقل في هذا البلد أن يُقيّم لي تلك الأشهر السبعة بإخلاص وتجرد: هل نجحت الثورة؟ هل شعر الفقراء ومعدن الثورة الحقيقي بأن قتلاهم وجرحاهم وأصواتهم ومجهودهم كان في محله حينما خرجوا؟
لا أريد من وراء هذا المقال أن أثبط الهمم، أو أُقعد الناس عن المطالبة بالإصلاح، بقدر ما أريد إعادة تجديد روح الثورة، والانتباه إلى الفقراء والمساكين والمرضى والمقعدين والبؤساء في هذا الوطن، فهؤلاء ما تجدد لديهم الأمل، وما ذرفوا دموع الفرح، وما تلبسوا رداء الشجاعة والخروج، إلا ليكون لهم مكان تحت شمس هذا البلد الجديد بعدما كانوا وراءها!
الرسالة هي مضمونة الوصول لجميع أطياف المشهد السياسي في تونس ان هولاء من قامو بثورة و لم يحسو بطعمها الى الان هل يمكن ان تعيد لهم الامل ان صوتو لكم
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire